شروط تمكين الله لعباده في الأرض
من المعروف أن التمكين في الأرض هو إحدى النعم الكبرى التي يمنحها الله سبحانه وتعالى لعباده الصالحين، وهو من أعظم الرغبات التي يسعى لها الإنسان في حياته. إذ يمكن أن يكون التمكين عبارة عن القدرة على تحقيق الأهداف والطموحات، والنجاح في شتى مجالات الحياة، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات. ولكن هذا التمكين، وإن كان نعمة عظيمة، فإنه مشروط بعدد من المعايير والأسباب التي وضعها الله سبحانه وتعالى في سننه في الأرض.
لقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية العديد من الآيات والأحاديث التي تشير إلى شروط التمكين، ما يشير إلى أن التمكين ليس أمرًا عشوائيًا أو مجرد حظ، بل هو نتيجة مباشرة لالتزام الإنسان بطاعة الله واتباع السنن الكونية التي وضعها، وكذلك التزامه بالعقيدة الصحيحة والسلوك القويم.
1. الإيمان بالله تعالى وتوحيده
الشرط الأول والأساسي لتمكين الله لعباده في الأرض هو الإيمان بالله سبحانه وتعالى وتوحيده. لا شك أن الإيمان الصادق هو أساس كل عمل ناجح في حياة المسلم. وقد أكد الله تعالى في آياته الكريمة أن تمكين الأرض مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتوحيد والإيمان. يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
“وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ” (النور: 55).
في هذه الآية الكريمة، يبين الله أن وعده بالتمكين في الأرض مشروط بالإيمان والعمل الصالح. وهذا يعني أن التمكين ليس لمن يضلون في الشرك أو يتبعون طرقًا بعيدة عن شرع الله.
2. العمل الصالح
لا يتحقق التمكين بمجرد الإيمان فقط، بل يجب أن يكون هذا الإيمان مصحوبًا بالأعمال الصالحة التي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع. فالله سبحانه وتعالى وعد بالتمكين لمن يعملون صالحًا، والمراد بالعمل الصالح هنا هو كل عمل يتوافق مع تعاليم الشريعة الإسلامية ويحقق الخير للإنسانية جمعاء. فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز:
“إِنَّ اللَّهَ يَحْبُّ الَّذِينَ يَقْتَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ” (الصف: 4).
وهذا يشير إلى أن التمكين لا يتحقق للإنسان إلا إذا كان عمله متسقًا مع أهداف الإسلام السامية في الإحسان إلى الناس والعمل لما فيه مصلحة المجتمع.
3. التقوى والابتعاد عن المعاصي
التقوى تعد من أهم الشروط التي تساهم في تمكين الله لعباده في الأرض. والتقوى تعني أن يتقي الإنسان الله في جميع أموره، وأن يلتزم بأوامره ويجتنب نواهيه. فقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز أن التمكين في الأرض يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتقوى الله، فقال:
“وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ” (الأعراف: 96).
هذه الآية تؤكد أن التمكين من الله يأتي نتيجة للتقوى والابتعاد عن المعاصي والذنوب. وكلما كانت علاقة الإنسان بربه طيبة، وكلما كان أكثر تقوى، كلما اقترب من تحقيق هذا التمكين في حياته.
4. التوكل على الله
من الشروط المهمة أيضًا لتمكين الله لعباده في الأرض هو التوكل على الله سبحانه وتعالى بعد بذل الأسباب. فالتوكل لا يعني إهمال الأسباب، بل يعني السعي والجد والاجتهاد في تحقيق الهدف مع الاعتماد الكامل على الله في النجاح والتوفيق. وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم:
“اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ” (رواه الترمذي).
التوكل على الله يعني أن الشخص يتخذ من الله مصدرًا للنجاح، وأنه يدرك أن النجاح لا يتحقق إلا بتوفيق الله ورعايته.
5. العدل والمساواة
من الشروط الأساسية التي يضعها الله سبحانه وتعالى في طريق تمكين عباده في الأرض هو العدالة. فقد جعل الله العدل أساسًا لبناء المجتمعات وتطورها. ومن هنا فإن التمكين في الأرض يتطلب من الإنسان أن يسعى لتحقيق العدالة في كل شؤون حياته، وأن يعامل الناس بالمساواة والاحترام. في القرآن الكريم، يقول الله تعالى:
“إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ” (النساء: 58).
فإن تحقيق العدل في المعاملات والنزاعات يجعل الأرض مكانًا يعم فيه الاستقرار، مما يعزز من فرص التمكين لعباد الله.
6. الصبر في مواجهة الابتلاءات
الصبر هو أحد المفاتيح التي تفتح أبواب التمكين في الأرض. فالابتلاءات والاختبارات هي جزء من سنن الله في هذه الحياة، ولكن الصبر عليها يجعل الإنسان أقوى ويزيد من فرصه في الحصول على التمكين. وقد بين الله تعالى في كتابه الكريم:
“وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدَرٍ” (القمر: 12).
الصبر في الأوقات الصعبة هو من أقوى أسباب تمكين الله لعباده في الأرض. وعندما يواجه المؤمن الصعوبات بتفاؤل وصبر، فإن الله يمنحه التمكين في الدنيا والآخرة.
7. الإصلاح في الأرض
من الشروط المهمة التي أشار إليها القرآن الكريم أيضًا هو أن يكون الإنسان مصلحًا في الأرض. قال الله تعالى في كتابه العزيز:
“إِنْ أَرَادُوا إِلَّا فَسَادًا فِي الْأَرْضِ” (المائدة: 33).
ويعني الإصلاح أن يسعى الإنسان في إصلاح نفسه وأسرته ومجتمعه، كما يعني القضاء على الفساد بكل أنواعه. فإن كان الإنسان مصلحًا، فإن الله ييسر له التمكين في الأرض، ويوفقه في عمله، ويجعل له من أسباب النجاح والتمكين ما يعجز عنه غيره.
8. الصدق والإخلاص في القول والعمل
الصدق والإخلاص من أهم الشروط التي تساهم في تمكين الله لعباده. فقد أمرنا الله بالصدق في القول والعمل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لنا في ذلك. قال الله تعالى في كتابه:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا” (الأحزاب: 70).
الصدق في النية والعمل مع الإخلاص لله يجعل التمكين في الحياة أكثر استدامة ودوامًا، فيتحقق النجاح في الدنيا وتتحقق سعادة القلب وراحة النفس.
الخاتمة
تمكين الله لعباده في الأرض ليس أمرًا سهلًا أو عابرًا، بل هو نتاج لعدة أسباب وشروط وضعها الله سبحانه وتعالى. هذه الشروط تتطلب من الإنسان الإيمان بالله والعمل الصالح، الصبر على الابتلاءات، الالتزام بالعدل، والتوكل على الله في كل الأمور. بالإضافة إلى ذلك، لا بد من السعي لتحقيق الإصلاح في الأرض والابتعاد عن الفساد. كل هذه الشروط إذا تحققت في حياة الإنسان، فإن تمكين الله له في الأرض سيكون حتمًا، حيث سيعيش حياة مليئة بالنجاح والرخاء، ويكون قدوة للآخرين في التغيير والإصلاح.
